الأحداث النازلة بالأمة عظيمة، والوقائع المحيطة بها جسيمة، والأعداء المتربصون كثر، وجراح الأمة متعددة، وأمراضها شتى.
ولقد تعافت في صحوتها الأخيرة من كثير من هذه الأمراض، واندملت لها عدة جراح.
لكن بقي مرض مستشر وجرح نازف خطير ألا وهو جرح الخلاف ومرض التنازع بين طوائف شتى من الأمة، فالتنازع والخلاف الشديد قائم بين الحكومات بعضها مع بعض، وبين الأفراد بعضهم مع بعض.
وقائم بين الجماعات والهيئات والمنظمات إلى حد التسفيه ومحاولة إزالة الآخرين ومحوهم، وهذا نذير شر مستطير إن استشرى وتفشى، ألم يقل الله تبارك وتعالى: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).
ألم يقل جل جلاله: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً) ألم يقل تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) .
هذا وقد تواترت الأحاديث في وجوب الاجتماع وعدم التفرق والتنازع، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: (كونوا عباد الله إخواناً) وقوله صلى الله عليه وسلم: (فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر بل تحلق الدين).
وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم) ، هذا وإن أشد العداوات الجالبة للتنازع الطويل والشقاق العريض هي العداوة الدينية الناشئة بين الصالحين، فهذه عداوة مؤصلة بآيات وأحاديث يستشهدون بها في غير سياقها الصحيح ومدلولها السليم.
ويرمي كل فريق الفريق الآخر بتهم شتى، ويخرج كل فريق الفريق الآخر من دائرة الفهم الصحيح وربما من دائرة أهل السنة والجماعة إلى الفرق الثلاث والسبعين.
وكم رأينا في هذا العصر الأخير من عداوات زعم القائمون بها وعليها أنها من أجل الله تعالى وفي سبيله وابتغاء مرضاته، وألفت كتب وكتبت مقالات كثيرة وعقدت ندوات وتكلم أناس طويلاً لكن بغير طائل ولم يجن أولئك سوى قيل وقالوا.
وهذا الذي كتب وقيل كله كان كأنه صرخة في واد لأن كل فريق يعتقد أن الحق معه وأن الآخر مبطل أو متعد أو متجاوز فكيف يسلم بعضهم لبعض، وما رأينا على مدار تاريخنا المتوسط والحديث فرقة أو جماعة سلمت للأخرى وارتضتها وتنازلت عما تراه أو عن بعضه.
وإن تتابعنا على هذه الطريقة أعني تسفيه الآخر وتصيد أخطائه ونقائصه وتصنيف المصنفات وتدبيج المقالات وعقد الندوات لبسط الأدلة على فساد الآخر وغوايته لن نجني شيئاً في النهاية، وعدونا متربص بنا ناظر إلينا، عارف بمجريات الأمور.
والرأي حتى ننقذ هذه الأمة من هذا الخلاف الطويل هو أن يجتمع أولو الرأي والحنكة والتجربة والبصيرة وأهل الإخلاص من تلك الهيئات والجماعات ويعقدوا فيها بينهم ميثاقاً على العمل الجاد لإنقاذ الأمة من المتربصين بها الطامعين فيها.
وتناسي الخلافات فيما بينهم إذ كلهم داخل في دائرة أهل السنة والجماعة مشمول ببركتها وما كان من الخلاف لا يمكن حله أو التنازل عنه فليعمل كل منهم بما يراه الحق من غير تسفيه الآخرين والتنازع المؤدي للفشل.
وهذا الميثاق يوثق بعهد الله تعالى والتعاهد على التآخي ونبذ كل ما يمكن أن يحطم الصف الإيماني الذي يجب أن يتمثل فيه قوله تعالى: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص) فليس بنياننا اليوم بمرصوص أبداً، والله المستعان والموفق.
الكاتب: الدكتور محمد موسى الشريف
المصدر: موقع التاريخ